في كل مرة أقول فيها رأياً مختلفاً على مواقع التواصل الاجتماعي، تأتيني ردود غريبة نوعاً ما، منها رد يقول “لماذا أنتِ خارج السرب؟” وأحببت أن تكون الاجابة هنا حتى تعم الفائدة على الجميع، في البداية، نحن لسنا طيوراً حتى نطير بنفس السرب خائفين من الاستقلالية، لأن الله أنعم علينا بالعقل البشري، الذي ميزنا عن كل الكائنات في الكرة الأرضية، فنحن نفكر ونحلل ونرى الأمور بصورة مختلفة، حتى لو كنا نعيش في نفس المكان ونتحدث نفس اللغة ونتشابه في أشياء أخرى.. ومن وجهة نظري، ان المجتمعات التي يختلف أفرادها عن بعضهم البعض بالتفكير والتحليل وحتى طريقة العمل، تتقدم بسرعة وتصبح أكثر تميزاً ونضجاً من غيرها، فالتشابه لا يجلب إلا الملل وتكرار الأفكار وقتل الابداع لدى الأشخاص.
يقول د. علي الوردي في كتابه “مهزلة العقل البشري”: (الناس هنا لا يزالون يعيشون بعقلية القرون القديمة، ويسيطر عليهم المنطق القديم، منطق الحق الذي يحتكره فريق من الناس دون فريق) ورغم أنه كتب هذا الكتاب بوقت يختلف عن زماننا الآن، الا أنه مازالت بيننا فئات تحتكر الصواب اليوم، فترى كل من حولها على خطأ، ولا ترضى عن من يخالفها حتى يشابهها.
أعتقد أن الاختلاف أمر رائع، فما لا أراه أنا، قد تراه أنت، وما أفكر فيه، قد لا تفكر فيه أنت.. وهذا لا يعني إلا أننا نقوم باكمال بعضنا البعض بطريقة غير مباشرة، ونستطيع استغلال الاختلاف بطريقة ايجابية لخدمة المجتمع ومنافسة أنفسنا بتقديم الأفضل، فالتخاصم بسبب الاختلاف، لن يفيد كل الأطراف (أنا، أنت، والمجتمع)
لا يجب علينا أن ندعّي حبنا لبعضنا البعض، ولكن يجب علينا أن نحترم بعضنا، وأن لا نقدس آراءنا على حساب تهميش آراء غيرنا، فالحقيقة نسبية من شخص لآخر، خصوصاً مع تغير الخلفية العلمية والعملية والاجتماعية، وحتى الاختلاف في نوعية الكتب التي يقرأها الانسان.
يقول د. علي الوردي أيضاً: (لقد أدرك أهل هذا العصر أن التنازع بين البشر أمر طبيعي لا يمكن إزالته بواسطة الموعظة والكلام الرنان، ولذا وجدناهم يدعون في نظمهم السياسية والاجتماعية الى الاعتراف به، ويفسحون له مجالاً يفصح عن نفسه ضمن حدود مشروعة) ورأيت مثالاً على ذلك في البرلمان الاسكتلندي في رحلتي الأخيرة لمدينة “أدنبرة”، فكل الأحزاب كانت تتناظر، ولكل شخص مدة قصيرة جداً يعبر فيها عن رأيه، قبل أن يأتي دور الشخص الآخر، فالبعض يطالب، والبعض يعارض، والآراء تتصادم أحياناً، ولكن لم أر أصحاب هذه الآراء يتصادمون شخصياً، فهم مؤمنون بأن الاختلاف طبيعة بشرية.. وما أن تنتهي جلسة النقاش، حتى تتوزع الابتسامات والمصافحات، ويخرج الجميع من القاعة، وكأنهم أصدقاء.. وهذه هي الديموقراطية التي نحتاج الى تبنيها لتصبح شعار حياتنا ونقاشاتنا مع الآخرين.
لم ولن يكون البشر في نفس السرب، فالانسان لن يترك مرتبته الانسانية والعقلية، ليصبح مثل الطيور التي لا تملك الخصائص البشرية التي أنعم بها الله علينا، فالمجتمعات المدنية تحتاج الى عقول مُفكرة، أفكار متنوعة، وآراء مختلفة حتى تنهض وتتقدم.
تم نشره في جريدة الشرق القطرية تاريخ ١٠/٦/٢٠١٥
تعليقات
سعد | تجربتي مع جمع الطوابع
Hanan | تجربتي مع ديزني كروز Disney Magic
تهاني الهاجري | تجربتي مع ديزني كروز Disney Magic