كنت أمشي بقرب “عين لندن” عندما سمعت صوتاً عذباً يجذبني إليه، حتى اقتربت ورأيت شابة إنجليزية تغني بصوت جميل وبيدها جيتارتها التيتعزف عليها بفن وإبداع. وقفت عندها وسمعتها تُقدم نفسها إلى كل المتواجدين وتغني أغنية من تأليفها..تقول فيها “أنا لا أريد عملاتك المعدنية، أريد فقط اذنك” فسمعتها حتى النهاية وشعرت أن صوتها أفضل من الكثير من المطربين الذين أسمعهم في قنوات التلفزيون أو محطات الراديو.
أقتربت منها لأضع لها بعض القروش فوجدت لوحة مكتوب عليها عنوانين صفحاتها في الفيس بوك وتويتر، وألبومات غنائية تبيعها بنفسها ..وكان عليها إقبال كثير من الناس لكتابة إيميلاتهم وأسمائهم على ورقة وضعتها على الأرض بقربها للإشتراك بالقائمة البريدية وإستلام أخبارها وأعمالها الجديدة.
دخلت على موقعها الرسمي بعد عودتي إلى المنزل، وقمت بإضافتها على تويتر .. فوجدت أن لها الكثير من المتابعين والمحبين من كل أنحاء العالم، ومن ضمنهم السياح الذين يزورون لندن ويستمعون لها في الشوارع الإنجليزية .. وتقوم أيضاً ببيع ألبومها الذي أنتجته بنفسها على موقعها الرسمي، وتقوم بإرساله إلى كل دول العالم.
ربما “شارلوت” ليست معروفة مثل كايتي بيري أو تايلور سويفت، لكنها سعيدة بما تفعله .. لأنها تعطي من قلبها، وتبحث عن التقدير أكثر من الأموال .. ورغم أن ألبوماتها لا تُباع في متاجر الموسيقى أو فيرجن ميجا ستور .. إلا أنها أستطاعت أن تُسجل ألبومها الخاص بإجتهادها، وتقوم بتسويقه وبيعه بنفسها على مواقع التواصل الإجتماعي.
عندما تمسك شارلوت جيتارتها وتبدأ بالعزف، يقف كل من يمشي حولها ..ويمشون ببطئ من كانوا يركضون من أجل أعمالهم أو مواعيدهم ..فموهبتها تستحق الإحترام والتقدير .. لا بوضع القروش لها، بل بإعطائها وقت نسمع فيه صوتها وأغانيها الجديدة.
إن الموهوبين والمبدعين في مجتمعنا يستحقون الإهتمام لتنميتهم وإظهار إبداعهم وإنجازاتهم للعالم، ولكن لو أنتظر كل موهوب أن يتم إيجاده، أو توقع أن يبحث عنه شخصاً ما ليرى إبداعه .. فسينتظر طويلاً.
علينا أن لا نصنع الأعذار إذا كنا نملك موهبة ما، فعدم وجود جهة رسمية أو مركز يدعم مواهبنا ليس عذراً مناسباً أبداً للتوقف عن السير في طريقنا لعمل مانحب .. فهذه الأيام، أصبح من السهل جداً أن يُسوق الشخص نفسه عبر مواقع التواصل الإجتماعي أو اليوتيوب أو المدونات بدون الحاجة إلى إنتظار من يبحث عنه ويتبنى موهبته.
إن الموهوبين لا يحتاجون إلى دعم مالي بقدر الحاجة إلى دعم معنوي ونفسي يساعدهم في معرفة أنهم رائعين، وأنهم يستحقون التقدير والوقت لرؤية مواهبهم المختلفة.
نحتاج أن نكون مثل “شارلوت” وأن نستعجل في إطلاق إبداعنا إلى العالم، بدون أن نرمي فشلنا أو تأخرنا على أياً من كان، فسر نجاحنا أو عدمه يعود إلينا وحدنا، لا على غيرنا.
يقول أفلاطون: (غالباً ماتكون الموهبة العظيمة مدفونة) .. وأنا أدعوا كل الموهوبين أن يطلقوا قدراتهم ومواهبهم للعالم، فنحن بحاجة إليهم لتلوين مجتمعاتنا بجمال مواهبهم المختلفة.
*تم نشره في جريدة الشرق ١٤/٨/٢٠١٤
تعليقات
سعد | تجربتي مع جمع الطوابع
Hanan | تجربتي مع ديزني كروز Disney Magic
تهاني الهاجري | تجربتي مع ديزني كروز Disney Magic