السلام عليكم!
أجلت كتابة هذه التدوينة لفترة طويلة، لأني أردت أن أصل إلى الهدف النهائي من رحلة التخفف، ولكن قررت أخيراً مشاركتكم الرحلة والخطوات التي أمشي بها لأعيش حياة تقل فيها الماديات وتكثر فيها التجارب، فأنا أريد أن أتجرد من كل شيء زائد لا أستخدمه أو لا أستفيد منه أو أشعر أنه لا يسعدني!
أريد منزلاً أعيش فيه بسعادة، وأنام بإطمئنان، وأعيش فيه أجمل اللحظات مع عائلتي وقططي، منزلاً لأعيش فيه، لا لأخُزن فيه وكأني سوف أعيش للأبد! أريد أن أعيش كعابرة سبيل خفيفة على هذا العالم وحتى على عائلتي، أريد حياة تخفف لأركز فيها على الأشياء التي تستحق تركيزي ولا أترك الأشياء تشتتني، وحتى لا أُتعب أحد بعد موتي! تكون أشيائي معدودة وواضحة، ويمكن التبرع بها وإعطائها لمن يحتاجها بشكل سريع، وأنا لا أكتب هذا بشكل سلبي أو درامي، بل واقعي جداً! تخيل لو بعد عمر طويل رحلت، ماذا ستفعل عائلتك؟ هل سوف تنشغل بالحزن؟ أو بأشيائك المُخزنة منذ سنوات طويلة؟
هناك فلم وثائقي ألهمني أسمه Minimalism: A Documentary about the important things على نتفلكس، وهو عن Joshua Fields Millburn و Ryan Nicodemus الذين لم يجدوا السعادة رغم وظائفهم ورواتبهم المرتفعة وسياراتهم الفارهة، فهم كانوا يبحثون عن حياة ذات معنى، حياة تكثر فيها التجارب وتقل فيها الماديات، حياة تخفف من الأغراض والتكدس ليركز فيها الشخص على صحته وعلاقاته ونفسيته وتجاربه ونموه الذاتي.
وهنا قصتهم على مسرح TEDx بعنوان فن التخلي The Art of letting Go
حسناً لنأتي إلى السؤال الأهم..
ماهو التخفف؟
هو ثقافة الحياة البسيطة التي يعيش فيها الإنسان بأقل عدد ممكن من الأشياء، ليشعر بحرية أكثر، وتختلف المعاني من شخص لآخر فأنا لا أؤمن بتعريف واحد، فهو ليس سباقاً يفوز فيه من يرمي أكبر عدد ممكن من الأشياء أو يعيش ومعه أشياء قليلة جداً، فالمهم في ثقافة التخفف أن تشعر بالحرية! أن تعرف مكان كل شيء تملكه في غرفتك أو منزلك وتقدره جيداً، وما يزيد عن حاجتك أو يأخذ مساحة يمكنك: بيعه، إهدائه لشخص، التبرع به، أو إعادة تدويره.
بدايتي مع التخفف
انتقلت إلى بريطانيا عام ٢٠١٢ وسكنت في شقة متكونة من صالة وغرفة وحمام ومطبخ فقط، وكان من الواجب علي استغلال المساحة جيداً وعدم تكديس أي شيء، وكنت أريد أن أتبنى ثقافة التخفف لسببين، الأول استغلال المساحة، والثاني التوفير ..فالتخفف يساعد على ذلك، فتوقفت لفترة عن شراء الكتب وكنت أستعيرها من مكتبة الحي أو مكتبة الجامعة، وبالنسبة للملابس فكنت أعد نفسي عند شراء أي قطعة جديدة أن أخرج أي قطعة قديمة وعرفت أهمية التخفف فعلاً وأنا أُفرغ أُخلي الشقة قبل عودتي، فقمت بعمل Crage Sale في شقتي في آخر أسبوع لي ووضعت إعلان في الفيس بوك للطلاب الذين يدرسون في المدينة، وبدأ الكل يأتي ويشتري ما يريد، وكنت أحرص أن تكون كل أشيائي نظيفة وفي حالة ممتازة، وفي اليوم الأخير أذكر أني تورطت قبل موعد الإقلاع بساعات، فعقد الإيجار يُلزم علي تسليم الشقة بحالتها الأصلية، وكل الأثاث كان ملكي، فضطررت أن أضع إعلاناً آخر مكتوب فيه (كل شيء سيتم بيعه بـ ١٠ باوند ..مايقارب ٥٨ ريالاً قطرياً) ..فبعت الكنبة ومرتبة السرير وآلة القهوة وتبقى فقط هيكل السرير والمكتب، فقلت للمكتب العقاري أن بإمكانهم الإحتفاظ به، أما بالنسبة للأشياء المتنوعة التي تُباع بصعوبة، أخذتها بعربة تسوق كلها إلى متجر خيري لمنظمة أنقذوا الأطفال يبيعون فيها التبرعات، ويستخدموا الأموال لصالح المنظمة! والحمدلله أستطعت تدبر أموري بشكل جيد واللحاق على طائرتي!
من التجارب التي علمتني الكثير أيضاً، السفر حول أوروبا بحقيبة ظهر واحدة فقط Backpack وحمل أهم ما أحتاجه فقط حول أكثر من ٥ مدن، ولأكثر من شهر – فكنت أشعر أني حرة ولستُ مقيدة: بأي مكان، فأمدد إقامتي بالمدينة التي تعجبني، وأعجل برحيلي عن أي مكان لم يدخل قلبي، فكل ما كنت أملكه هو حقيبة واحدة، جاهزة لأسحبها وأغادر!
بعد عودتي إلى الوطن والمنزل، انصدمت من كمية الأشياء التي أملكها وبدأت بعمل تصفية كبرى من الحماس، ولكن هل تعلمت الدرس؟ لا طبعاً :)..بدأت أكدس مرة أخرى، فشعور الأمان في منزل كبير جعلني لا أقلق من إمتلاك أشياء أكثر، فإذا كنت لا أريدها في غرفتي، أستطيع أن أضعها في غرفة أخرى، وإذا لم تكن في الغرفة الأخرى، ففي المخزن الخارجي! وهكذا نحن، نستمر بالتكديس.
ولكن كثرة الماديات والأشياء أصبحت تشتتني، فأنا أدور في حلقة مُفرغة، فعندما أعتقد أني أرتب هنا أجد نفسي “أعفس هناك”، والأغراض تنتقل من زاوية إلى زاوية أخرى، ومن سطح مكتب إلى درج مغلق لا يراه أحد، ومن غرفة إلى أخرى..ولكن هذا لم يكن الحل! وبدأت أقرأ كثيراً من ريان وجوشوا إلى ماري كوندو (أشهر خبيرة في التنظيم) إلى قناة عظيمة على اليوتيوب أسمها Pick up Limes
“التخفف لا يعني التخلي عن كل شيء، بل إبقاء ما تريده فعلاً في حياتك”
كما ذكرت سابقاً، هذه التدوينة جزأ من رحلتي وما زلت أتعلم وأعمل كل يوم لأحسن من حياتي، وسوف أذكر الآن ما الذي يمكنكم أن تفعلوه ..وأعتبروه كواجب منزلي من هذه المدونة.
السيارة: ابدأ بالسيارة لأنها المكان الذي تبدأ يومك فيه. يمكنك تنظيف السيارة من الداخل والإحتفاظ فقط بما يخص السياراة داخل درج السيارة، وربما حقيبة النادي الرياضي، وعلبة طوارئ فقط، لا تكدس فيه أكثر من ذلك.
حقيبة اليد والمحفظة: كم مرة أدخلت يدك لتبحث عن بطاقتك الشخصية ولم تجدها فوراً أو لم تكن حتى في المحفظة؟ – يمكنكم أن تبدأ بتجميع كل الريالات في محفظتك ووضع كل البطاقات فيها، مع قلم، وعطر، وماتحتاجه فقط وليس ما “يمكن أحتاجه”.
درج الملابس: تخيل أن القميص المُخزن من سنتين لأنه لم يناسبك، قد يناسب ويُسعد شخصاً آخر يحتاجه! فكل قطعة ملابس عندك تنسى وجودها أصلاً، سوف تسوى الكثير عند غيرك! ضع كل ماتملكه من ملابس على الأرض، وقرر ما الذي تريد أن تفعله بما لا تستخدمه: أن تستمر بالتخزين؟ أو إعطائها حياة أخرى عبر إعطائها شخص آخر ليلبسها؟
لدي تقريباً 7 أحذية فقط بين الرياضي والعملي وللمناسبات الرسمية، استخدمهم جميعاً وما أتركه لفترة طويلة أخرجه فوراً، وأنا لست أحاول أقلل من العدد، بقدر إبقاء ما ألبسه فعلاً! وإذا في يوم وجدت مايعجبني، سوف أشتري ليس لدي أي مشكلة إذا كنت سوف أستعمله – إذا كانت لدي مناسبة مهمة وكبيرة كعرس عائلي مثلاً أشتري الجديد وأكون سعيدة فيه، وإذا لم أستخدمه خلال شهور أعطيه لشخص آخر – فلماذا أكدس أحذية وهناك من سوف يُسعد بها؟ – يمكننا جميعاً أن نحب أنفسنا وندللها وبنفس الوقت مساعدة الغير عبر إخراج ما يزيد عن حاجتنا.
الأدوات الشخصية والمكياج: يمكنك أن تبدأ بالتخلص من الأشياء المنتهية صلاحيتها (إذا كنت تُخزن العديد من الكريمات وغيرها)، وأن تمتلك فقط قطعة واحدة من كل شيء تستخدمه دائماً مثل الشامبو، كريم الأساس، البودرة، وشراء الجديد عندما يشارف على الإنتهاء.
*تحديث: أصبحت أمتلك أشياء أكثر من المكياج ومنتجات العناية بالبشرة والعطور، ولكني أحرص على استخدامها كلها وتقسيمها بين حقيبة صغيرة لشنطة اليد والغرفة. (١٨ يونيو، ٢٠٢٠) – أي شيء لا يُستخدم لفترة طويلة، يجب إخراجه.
الهدايا: ربما هذا أصعب قسم على الجميع، فالهدايا لها معنى عاطفي مختلف عندنا، وقد نتعلق بها من أجل صاحبها حتى لو لم نستفد منها أو نستخدمها، ولكن أحب إخبارك أن الشخص الذي قدمها لك يريدك أن تكون سعيداً، وقد أسعدك فعلاً عندما أهداك إياها، وإذا لم تكن تنفعك، فسوف تنفع غيرك حتماً، فأسمح لها بإكمال دورتها في الحياة مع شخص آخر يُقدرها حق تقدير.
الكتب: أملك مكتبة كاملة وأحبها جداً، ولا أتخيل نفسي أعيش يوماً بمكتبة فيها أقل من ١٠ كتب، ولكن ما أفعله الآن هو إخراج بعض الكتب بعد الإنتهاء منها، وتقديمها لمن سيقرأها ..وبدأت بالإعلان عند متابعيني في مواقع التواصل الاجتماعي عن الكتب القيمة التي قرأتها وأود تقديمها لشخص آخر، وأيضاً بدأت بشراء كتب إلكترونية عبر جهاز كيندل أمازون لأستخدمه بالسفر، بدلاً من حمل عدة كتب معي، والكندل أصبح يدعم الكتب العربية أيضا!
يمكنك الاحتفاظ بالمراجع التي سوف تعود لها في مكتبتك، وإخراج الكتب التي تعتقد أنك لن تقرأها مرة أخرى خلال الـ ٦ شهور القادمة، مثل السير الذاتيه والروايات.
الـ DVDs والألبومات الموسيقية: اخرج كل شيء قديم إلا إذا كان ما تحبه جداً وتزيد الاحتفاظ به لأنه يُسعدك، فكل شيء أصبح متوفراً اون لاين، فالأفلام موجودة على Bein ونتفلكس وHulu والكثير من المواقع الأخرى، أما بالنسبة للموسيقى فهناك يوتيوب وموسيقى آي تونز وتطبيق Spotify الرائع الذي أنطلق في الشرق الأوسط الشهر الماضي!
التخفف الإلكتروني: صحيح ذكرنا الماديات، ولكننا نقضي أغلب حياتنا على الإنترنت هذه الأيام ..ومن المهم أن نحافظ على أجهزتنا نظيفة حتى لا نتشتت أثناء العمل، وإذا كنتم مثلي فأنتم تأخذون أكثر من لقطة للصورة الواحدة، ويمكننا البدأ معاً بمسح الصور المكررة والاحتفاظ بأفضل نسخة فقط، وتنظيم ألبومات الصور حسب السنوات أو الأحداث أو رحلات السفر..ومن المهم أيضاً أن يكون سطح المكتب نظيفاً أيضاً
ذكرت لكم بعض الأمور التي بدأت فيها وجربتها شخصياً، وهنا أيضاً فلوق رائع ومفيد من يوتيوبرتي المفضلة عن خطة التخفف لمدة ٣٠ يوم، ويمكنكم طباعة قائمة بالأشياء التي يمكنكم تصفيتها:
وكما تقول ماري كوندو: احتفظوا بالأشياء التي تجلب لكم البهجة!
وإذا لم تشاهدوا برنامجها Tidying Up with Marie Kondo حتى الآن، فأنا أنصحكم بمشاهدته بأقرب وقت على نتفلكس ..ولكن أحذركم قبل مشاهدته، سوف تحتاجون علب تنظيم أمامكم، لأنكم لن تستطيعوا مشاهدته بدون التحرك ومحاولة ترتيب ما حولكم!
أتمنى استفدتوا من هذه التدوينة! وأنها حمستكم للعمل وترتيب غرفكم وبيوتكم.
ولي عودة في كل مرة أتعلم فيها أكثر في هذه الرحلة الجميلة لحياة تخفف أفضل!
تحديث: قررت اتباع طريقة كونماري لماري كوندو وهي الاحتفاظ بالأشياء التي تجلب السعادة فقط، بدل من تقليلها قدر المستطاع، وهذه الطريقة تختلف نوعاً ما عن التخفف. (٢٧ سبتمبر ٢٠٢١).
في الوقت الحالي: يمكنكم مشاركة تجاربكم وآرائكم أسفل هذه التدوينة.
كل الحُب،
تهاني الهاجري
تعليقات
سعد | تجربتي مع جمع الطوابع
Hanan | تجربتي مع ديزني كروز Disney Magic
تهاني الهاجري | تجربتي مع ديزني كروز Disney Magic