يناديه ويصرخ عليه في المعصرة بـ (ياهندي)، ويُسمي أي آسيوية حتى لو كانت مهندسة بـ (ياشغالة)، والموضوع لا يقف أبداً عند هذا الحد، بل يستمر بالعنصرية والتفرقة بين بدو وحضر، مسلمين وغير مسلمين، بيض وسود. كم مرة أدخل على حسابات شخصيات آسيوية شهيرة في “إنستغرام” فأرى ردود بعض أصدقائنا العرب يكتبون فيها “كأنها خدامتنا أو كأنه سواقنا”. وفي تويتر أرى النقاشات العقيمة لبعض العقول السطحية تقول “مرد كل فلبيني يكون عاملا في ماكدونالدز”.. لو أستمررت بذكر كل شيء، لن تبقى هناك صفحة واحدة خالية في الصحيفة.
ماذا لو اختفى الهنود لمدة يوم واحد من قطر..كيف ستكون المطاعم ومحطات البترول والشركات التي تستفيد من خبرة المهندسين الهنود، كيف سنستمر بدونهم؟ وماذا لو اختفى الفلبينيون لمدة يوم واحد من بلدنا، كيف ستكون المستشفيات بدون الممرضات والممرضين؟ وماذا لو اختفى النيباليون لمدة يوم واحد أيضاً؟ ستتعطل الكثير من مشاريع تطوير البلد بلا شك.
من حق كل إنسان أن يفتخر ببلده أو أصله، ولكن ليس من حقه أبداً أن يكون هذا الافتخار على حساب الحضارات الأخرى، التي تُكملنا وُنكملها. هذه المُشكلة، لا تقف عند الأجانب، بل تؤثر أيضاً علينا نحن، فنرى بعض المديرين، يقبلون في شركاتهم من يعجبهم وجهه وأصله، حتى لو تجاهلوا خبرته ومهاراته في العمل.
عند تقديم الوظائف في المملكة المتحدة أو أمريكا، لا يسألون مقدم الطلب عن جنسه وعرقه ولا حتى يطلبون منه إلصاق صورته على السيرة الذاتية، حتى يتم أخذ الإجراءات اللازمة استناداً إلى خبرته ومهاراته وتعليمه، بدون النظر إلى أموره الشخصية، للتأكد من أن العنصرية لا تدخل في إجراءات التقديم.
اخترع الغرب المكيفات التي نتبرد بها صيفاً والهواتف التي نتواصل بها مع أحبتنا والإنترنت الذي نتابع به أخبار العالم والضوء الكهربائي الذي يُنير منازلنا والكمبيوترات التي نستخدمها في مكاتبنا وجامعاتنا وسياراتنا التي تأخذنا إلى حيث نريد الذهاب.. ولا يصح أن نستخدم ونستفيد من كل هذا، ثم نتغنى بأننا أفضل من العالم لأن الله أنعم علينا بالمال والأمان.
خلقنا الله ناقصين، لنكمل بعضنا البعض.. لا لنحتقر من هم أقل منا.. فالكنز الحقيقي لكل بلد ليس المال، بل الإنسان.. وإذا كان هذا الإنسان مليئا بالعنصرية والغرور الذي يعميه عن رؤية الطريق الصحيح، فهذا يوثر سلبياً على البلد الذي يعيش به.
لنكن أغنياء بأخلاقنا واجتهادنا، لا بأموالنا فقط.. فالأموال وسيلة فقط، وليست غاية.. أعتقد أنه حان الوقت لنراجع كلماتنا وأفعالنا مع كل من حولنا، ونتأكد أن كل كلمة تخرج من فمنا، لا تجرح أصل أو دين أو عرق أحدهم، فنحن شعب بين الكثير من الشعوب والحضارات، وِجدنا بينهم لنتعلم منهم ونتعرف عليهم لا لنقلل من شأنهم ونناديهم بأسوأ الألقاب لإثبات أننا الأفضل.
يقول وليام جيمس: (يمكن للإنسان أن يغير حياته إذا ما استطاع أن يغير اتجاهاته العقلية).. فلنغير إتجاهاتنا العقلية و لنسأل أنفسنا الآن: ماذا قدمنا للعالم؟ وكيف خدمنا العالم؟ وكيف سُنغير من أنفسنا لنضع أيدينا بأيدي باقي الثقافات للمساهمة في نهضة هذا العالم؟
*تم نشر هذا المقال في أبريل ٢٠١٤ في جريدة الشرق القطرية.
*الكاركتير للمبدع سراج الغامدي.
تعليقات
سعد | تجربتي مع جمع الطوابع
Hanan | تجربتي مع ديزني كروز Disney Magic
تهاني الهاجري | تجربتي مع ديزني كروز Disney Magic