في عام ٢٠١٣ كتبت مقالاً بعنوان “جارتي الاستثنائية” الذي تكلمت فيه عن جارتي الإنجليزية النشيطة التي تتعلم وتدرس بعمر ٧٢، وتقود
سيارتها لتكتشف العالم، وتفتح قلبها ومنزلها لكل شباب وبنات المدينة الجدد لتقدم لهم الدعم النفسي وتساعدهم في الوقوف على اقدامهم من جديد بعيداً عن بلادهم وعائلاتهم.. وبقلب مكسور أرثيها اليوم بهذا المقال، فجارتي الحبيبة التي عشت معها أجمل اللحظات في فترة دراستي بالمملكة المتحدة غادرتنا صباح يوم الثلاثاء ٢٣/٦/٢٠١٤ بعد هجوم سرطان المخ عليها فجأة قبل عدة شهور.
لم أحزن وحدي، فالحزن عم أرجاء المدينة لأن بصماتها موجودة في كل مكان، وكسبت كل القلوب بروحها الطيبة وتعاملها اللطيف واهتمامها بالجميع، فقلبها كان يحتوي كل الاختلافات الثقافية والدينية ويتجاوزها للوصول إلى شيء أهم وأسمى.. وهو الإنسانية.
لا بأس بأن نبكي قليلاً، ولكن من المهم جداً أن لا نترك وفاة من نحب تمر مروراً عابراً في حياتنا، بل إن تكون نقطة تصنع الاختلاف الإيجابي في حياتنا، بأن نحاول إنقاذ حياة أشخاص آخرين يعانون من نفس المرض.
سوف أكون من المشاركين هذا العام في “سباق من أجل الحياة” لدعم مركز أبحاث السرطان في بريطانيا، وعلى كل مشارك أن يلصق ورقة على ظهره مكتوبا عليها اسم الشخص الذي سوف يشارك من أجله، وهذا العام أشارك باسم جارتي الحبيبة لدعم المركز بقدر ما أستطيع، حتى يأتي يوم جميل يعلنون فيه خبر إيجاد حل أو علاج دائم لمرض السرطان، الذي أخذ أحبتنا.
قررنا أنا وسكان المدينة أن نساعد بعضنا بالتغلب على هذه المحنة التي آلمتنا، وأن نشارك في عمل شيء نقدمه لعائلتها، ليعلموا أن والدتهم هي والدتنا جميعاً، وأنها كانت إنسانة رائعة لآخر يوم من حياتها.
من الأشياء الإيجابية التي تصبرنا على فقدانها أنها عاشت حياتها بسعادة لآخر لحظة، وكانت تزور أصدقاءها وأفراد عائلتها وتسافر وتدرس تخصصات جديدة وتتعلم استخدام الكمبيوتر لتعمل على بحوثها وتشارك في مبادرات إيجابية في المجتمع.
أنا سعيدة جداً لأني كنت محظوظة بمعرفة شخصية جميلة مثلها، وسعيدة لقضاء بعض الأمسيات معها لشرب الشاي الإنجليزي ومشاهدة مسلسلها المفضل وتعلم دروس الحياة منها ومشاركتها ذكرياتها الجميلة وإصلاح أجهزتها الإلكترونية إذا تعطلت.
آخر مرة رأيتها كنت أمشي مسرعة مع حقيبتي متجهة إلى المطار، فلمحتني أمام المحلات وسألتني عن وجهتي، فجاوبتها وقلت لها لنا لقاء بعد العودة إن شاء الله.. ولكن الموت كان أسرع من وعود الإنسان.
عانقوا أحبتكم، واستغلوا كل لحظة معهم، فالموت ليس له مواعيد نرتب بها حياتنا وجدول أعمالنا، فهو يأتي فجأة ويكسر قلوبنا بدون مقدمات.
يقول واسيني الأعرج:
“لاشيء يستحق أن نحزن من أجلهِ.. إلا الفقدان”.. وأوافقه على ذلك، فوجود أحبتنا حولنا أهم من تضييع وقتنا في الحزن على أشياء لا تستحق دموعنا وهمومنا ووقتنا.
*تم نشره في جريدة الشرق تاريخ ٢٥/٦/٢٠١٤
تعليقات
سعد | تجربتي مع جمع الطوابع
Hanan | تجربتي مع ديزني كروز Disney Magic
تهاني الهاجري | تجربتي مع ديزني كروز Disney Magic