تمر السنين ويكبر الناس على جُمل سلبية يتوارثها الأجيال كحِكم وأمثال شعبية تؤثر على طموحهم، فكم مرة قابلت فيها شخصاً لا يكمل تعليمه أو لا يتقدم ويطور نفسه في حياته المهنية مستخدماً عبارة “القناعة كنز لا يفنى” كعذر للتخاذل عن التقدم في حياته الشخصية أو العلمية والمهنية .. وهناك مثل شعبي يقوله الناس للشخص الذي يطلب الكثير أو يتمنى أكثر من استطاعته .. وهو “مد رجلك على قد لحافك”، فهل هذا يعني أن علينا أن نقطع أرجلنا إذا كانت “لحافاتنا” قصيرة؟
الزهد في التعلم والتقدم إلى الأفضل، بعيد عن الإيجابية تماماً .. فكم من طالب جامعي يتخرج ولا يفتح كتبا أخرى في حياته لأنه يعتقد أن القراءة والتعلم يكونان في قاعات المحاضرات فقط، وكم من موظف يكرر ما يعمله في وظيفته لأكثر من ٢٠ سنة دون أن يتعلم طرقا جديدة أو يقرأ الدراسات العلمية الجديدة في مجال تخصصه، فالراتب الشهري يكفل له حياة جيدة يستطيع أن يأكل ويعيش ويسافر فيها، ولا يشعر بأن عليه التقدم أكثر من ذلك.
لماذا نقتنع بحياة جيدة؟ بينما يمكننا أن نعمل ونجتهد لنعيش حياة رائعة وجميلة ونصبح كل يوم أفضل من أنفسنا في اليوم الذي يسبقه، فما أجمل الطمع الإيجابي .. الذي يدفعنا إلى قتل الأعذار والأوهام وكسر الحواجز وتعدي العوائق للوصول إلى ما نريده .. فالقناعة أولاً ليست كنزا، وثانياً .. إنها “تفنى” سريعاً وتفنينا معها أيضاً إذا تقيدنا فيها بحياتنا في كل أمورنا.
كم أفتخر بكل شخص نهض وطمع بأن يصبح إنساناً أفضل، وحول حياته من جيدة إلى عظيمة! فالحياة دون إنجازات وأهداف جديدة كل يوم، تصبح رمادية .. فالإنجازات تلونها، وتمنحنا الطموح للوصول إليها، للبحث عن غيرها أيضاً.
إن أكثر المشاهير والعظماء الحاليين والقدماء لم يخرجوا إلى هذه الدنيا وفي أيديهم ثروة تجعل حياتهم أفضل مقارنة بباقي الناس، فهم وُلدوا عاديين جداً، ولكنهم اختاروا الانطلاق لعيش حياة غير عادية أبداً .. فالممثل ماثيو ماكنهاي الفائز بالأوسكار كأفضل ممثل رئيسي لعام ٢٠١٤ كان منظفا في إحدى المزارع الأسترالية في صغره، والممثل توم كروز كان يعمل كبائع للصحف حتى يوفر مصروفه ويساعد عائلته، أما المغني العالمي ميك جاغر من فرقة “رولنغ ستونز” فكان يبيع الآيس كريم في أحد الأكشاك، وكان “براد بيت” يلبس زي دجاجة لعمل دعاية أمام أحد المطاعم المكسيكية قبل أن يشق طريقه إلى هوليود ويصبح من أفضل الممثلين الذين يسرقون الأضواء في كل المحافل الفنية.
ماذا لو وصلت لهم عبارة “القناعة كنز لا يفنى”؟ واقتنعوا أن حياتهم جيدة بالشكل الكافي الذي لا يدعوهم إلى التقدم أكثر؟ هل كانوا سيصلون إلى ما هم عليه اليوم؟
علينا أن نعيد ترتيب أفكارنا، ونطرد كل فكرة أو عبارة أسهمت في ركودنا وعدم تقدمنا للبحث عن حياة أجمل، وفرص أفضل، وإنجازات أعظم ..لا تمدوا أرجلكم على ” قد لحافاتكم” .. بل اشتروا “لحافات” تغطي كامل أرجلكم.
*تم نشره في جريدة الشرق القطرية تاريخ ٩/٤/٢٠١٤
تعليقات
سعد | تجربتي مع جمع الطوابع
Hanan | تجربتي مع ديزني كروز Disney Magic
تهاني الهاجري | تجربتي مع ديزني كروز Disney Magic