صديقتي الفيتنامية

عندما بدأت أحضر حصص مادة “السلوك الإستثماري” في جامعتي البريطانية، تعرفت على زميلة فيتنامية، لم نكن نتكلم كثيراً، فوقتها لم تكن لي صداقات كثيرة من الدول الآسيوية، فمعظم الصينيين في الجامعة مثلاً، كانوا يحبون أن يكونوا في مجموعاتهم الخاصة، ولهذا كانت هي أول شخصية من فيتنام، أدرس معها وأشاركها حصص بعض المواد. عندما كانت تنهي جزئية التطبيق، كان يخبرها البروفسور بإمكانية خروجها مبكراً، ولكنها لم تكن تفعل ذلك، بل كانت تسحب كرسيها وتجلس بجانبي لتساعدني حتى أنتهي من عملي،

لم نتعرف حقاً، إلا في إحدى رحلات القيادة التي قضيناها جميعاً في معسكر خارجي في قرية إنجليزية صغيرة لا أذكر أسمها. في تلك الرحلة جُرحت يدي، وأصبحت تؤلمني جداً..وفي إحدى الحصص الداخلية تم إعارتنا أحذية شتوية كبيرة مناسبة للمطر والأنشطة الخارجية، فلبس الكل حذائه وخرج، وبقيت أنا وحيدة، ومُحرجة جداً من تأخري عليهم ..وفجأة وجدت زميلتي الفيتنامية قد عادت لي، وجلست على ركبتيها لتربط حذائي بكل تواضع، وقالت لي “أنا هنا في أي وقت تحتاجيني فيه”. كان هذا الموقف، هو ماجعلني عاطفية جداً، وأعرف أنها إنسانة مختلفة، وتملك روحاً إنسانية طاهرة.

وفي الحصص التي كنت أدخلها بمزاج متعكر بسبب أي أمر، كانت تجلس بجانبي، وتكتب لي جمل عشوائية ظريفة على دفتري، حتى أبتسم، فكانت تنجح كل مرة في رسم إبتسامتي، وإدخال السعادة إلى قلبي. كانت صديقتي “آن” تدرس معي من الصباح حتى الظهر، وبعدها تذهب إلى وظيفة جزئية حتى الليل، و كانت تمر على السوبرماركت بعد نزول راتبها، لتفاجئني بشراء بعض الفواكه والأشياء التي أحبها.

ولا أنسى تلك المرة التي طُرق علي الباب فجأة في عيد ميلادي السادس والعشرون، ووجدتها أمامي عندما فتحته ..تحمل بين يديها كعكة صغيرة عليها بعض الشموع، لتغني لي في ممر عمارتي التي كنت أقطن بها. لم أستطع أن أقول لها شكراً، فدموعي سبقتني، وتركتني عاجزة عن التعبير.

رغم أن المسافة أبعدتنا بعد تخرجنا، إلا أنها تتواصل بشكل دائم، وتسأل عن نجاح كتابي، وتفرح من أجلي كثيراً ..مازلت أملك الكثير من البطاقات التي كتبت لي فيها “كوني أنتِ، أنا فخورة بك”، والتي تجعلني أشعر بأني محظوظة جداً بمعرفتها.

يقول واسيني الأعرج: “صديق الروح الذي يقرأني من عينيّ”، فحافظوا على من يفهمكم ويقرأكم ويهتم بأصغر تفاصيلكم، ووسعوا دائرة صداقاتكم، لتُحطم دوائر المجتمع واللغة والثقافة، وتسمح لمختلف الأشخاص من حول العالم، بأن يكونوا أصدقاء أرواحكم، مهما كنتم مختلفين.